في عالمٍ يزداد فيه الوعي القانوني وتتسارع وتيرة التطور في المجال الصحي، أصبحت قضايا الأخطاء الطبية من أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا أمام جهات التحقيق والقضاء. فبينما يُفترض في المؤسسات الصحية تقديم الرعاية وفق أعلى المعايير، تقف بعض الحالات شاهدًا على انحرافٍ قد يُكلِّف حياة إنسان أو يُخلّف ضررًا دائمًا. وهنا تنبع أهمية التحقيق المهني المتخصص، الذي لا يكتفي بجمع الوقائع بل يغوص في تفاصيل الممارسة الطبية ذاتها، مستعينًا برأي الخبراء وفحص الأدلة بعين القانون والطب معًا.
في هذا السياق، يتصدّر مكتب المحامي سعد بن عبدالله الغضيان للمحاماة والاستشارات القانونية والتحكيم المشهد القانوني كجهة خبيرة في التعامل مع قضايا الأخطاء الطبية، مستندًا إلى خبرة عميقة وفهم دقيق لتقاطع القانون بالعلوم الطبية. فالمكتب لا يكتفي بالدفاع أو المطالبة بالتعويض، بل يضع نصب عينيه تحقيق العدالة وإنصاف المتضرر أو الدفاع عن الممارس وفق قواعد الإنصاف والبيّنة، مما يجعله اسمًا جديرًا بالثقة في هذا المجال بالغ الدقة.
قضايا الأخطاء الطبية في السعودية 
تُعد قضايا الأخطاء الطبية من أكثر القضايا حساسية وتعقيدًا في الأنظمة القضائية، لأنها تمسّ صميم العلاقة بين المريض والطبيب، حيث تُبنى هذه العلاقة على الثقة، وتنهار حين يُخلّ أحد الأطراف بالتزامه. وفي المملكة العربية السعودية، خُصصت لها لوائح وأنظمة دقيقة ضمن نظام مزاولة المهن الصحية، لضمان حماية حقوق المرضى، ومساءلة الممارسين عند حدوث تقصير أو إهمال.
تبدأ رحلة التقاضي من تقديم الشكوى لدى المنشأة الصحية أو الشؤون الصحية، ثم تُحال إلى الهيئة الصحية الشرعية التي تُحقق وتصدر الحكم، وقد يصل التعويض إلى ملايين الريالات حسب جسامة الخطأ. لكن رغم وضوح المسار النظامي، لا تزال هذه القضايا تُعاني أحيانًا من البطء وتعقيد الإجراءات، مما يعزز المطالبات بتخصيص محكمة طبية مستقلة تُعنى بالفصل العاجل والمتخصص في مثل هذه القضايا، بما يحقق العدالة لكلا الطرفين.
ما الذي يُعد خطأً طبيًا بحسب نظام مزاولة المهن الصحية في المملكة؟
يُدرج نظام مزاولة المهن الصحية في المملكة العربية السعودية عددًا من الأفعال التي تُعد من قبيل الخطأ الطبي، لما تمثله من تجاوز للأصول المهنية ومخالفة للمعايير المتعارف عليها، ومن أبرزها:
- الخطأ في التشخيص أو العلاج، أو الإهمال في متابعة حالة المريض.
- الجهل بالمسائل الفنية التي يُفترض إلمام المختص بها في مجاله.
- إجراء عمليات جراحية تجريبية أو غير مسبوقة على البشر دون الالتزام بالضوابط النظامية.
- تطبيق تجارب أو بحوث علمية غير مرخصة على المرضى.
- إعطاء الأدوية على سبيل الاختبار دون أساس علمي أو طبي.
- استخدام أدوات أو أجهزة طبية دون الإلمام الكافي بكيفية تشغيلها أو دون اتخاذ التدابير الوقائية المناسبة.
- التقصير في الإشراف أو الرقابة الطبية.
- الامتناع عن استشارة مختصين في الحالات التي تتطلب تدخلًا طبيًا متخصصًا.
ويُعد باطلًا كل شرطٍ يُقيِّد أو يُعفي الممارس الصحي من المسؤولية القانونية. وبناءً على ذلك، فإن ارتكاب أي من الأفعال المذكورة يُشكل مخالفة تُوجب تحريك الدعوى القضائية والمطالبة بكامل الحقوق النظامية، على أن يتم إثبات الواقعة وفقًا لأدوات الإثبات المقررة في النظام القضائي السعودي.
ويُعد مكتب المحامي سعد بن عبدالله الغضيان للمحاماة والاستشارات القانونية والتحكيم من أبرز الجهات القانونية المتخصصة في تمثيل المتضررين في مثل هذه القضايا أمام الجهات القضائية المختصة.
من التحقيق إلى المحاكمة آليات الفصل في قضايا الأخطاء الطبية وفق النظام السعودي
أولًا: تشكيل الهيئة الصحية الشرعية
تتكوّن الهيئة الصحية الشرعية، بقرار من مجلس الوزراء، بصفتها لجنة قضائية مؤقتة تضم:
- قاضٍ من الدرجة “أ” يرشحه وزير العدل (رئيسًا).
- مستشار قانوني، طبيبان، صيدلي، وأمين سر يُرشحهم وزير الصحة.
- أستاذان جامعيان من كلية الطب يُرشحهما وزير التعليم العالي. هذا التشكيل المؤقت يُعزّز المطالبات المستمرة بإنشاء محكمة طبية مستقلة دائمة، لضمان الحياد، وتفادي البيروقراطية وتأخّر البتّ في القضايا الطبية الحساسة.
ثانيًا: اختصاصات الهيئة
تختص الهيئة بالنظر في:
- الشكوى التي تطالب بحق خاص في قضايا الخطأ المهني الطبي.
- الحالات التي تنطوي على وفاة أو عجز أو فقدان منفعة، حتى وإن لم يتقدّم المريض أو ذووه بشكوى.
- أما المخالفات الأخرى ذات الطابع الإداري أو المالي فتخرج من اختصاص الهيئة، وتُحال إلى لجان قضائية مختصة تُشكّل بقرار من الوزير المختص.
ثالثًا: آلية انعقاد الهيئة وإصدار القرار
- تنعقد الهيئة بحضور جميع أعضائها، وتُصدر قراراتها بالأغلبية، شريطة موافقة القاضي.
- يُمكن التظلم من قرار الهيئة أمام ديوان المظالم خلال ستين يومًا من تاريخ التبليغ.
- تعتمد الهيئة أسلوب المرافعة، وتُتيح لكل طرف الرد والتعقيب على أقوال الطرف الآخر، وتملك صلاحية استدعاء الشهود، والاستعانة برأي خبير طبي محايد.
رابعًا: الطلبات العاجلة والضمانات
- للمدعي حق تقديم طلب مستعجل بمنع المدعى عليه من السفر، خاصة في حال عدم وجود تأمين طبي يغطي الخطأ.
- تحدد الهيئة مواعيد الجلسات وتبلّغ جميع الأطراف رسميًا.
- عدم حضور المدعي يؤدي إلى سقوط المطالبة بالحق الخاص، بينما يُنظر في الحق العام. وإذا تغيب المدعى عليه مرتين، يُصدر الحكم غيابيًا ويُعد حضوريًا قانونًا حتى لو كان خارج المملكة.
خامسًا: التنفيذ والعقوبات
- تنفيذ القرارات يتم من خلال وزارة الداخلية، إذ لا تمتلك الهيئة صلاحية التنفيذ.
- العقوبات الممكنة تشمل: الإنذار، الغرامة، الدية، أو المنع المؤقت/الدائم من مزاولة المهنة، دون تحديد نصوص عقابية ثابتة، إذ يُترك تقديرها للقاضي وفقًا لظروف كل حالة.
سادسًا: التحقيق والتقييم الفني
- يُجري التحقيق مختصون يُعيّنهم مدير الشؤون الصحية، أو إدارة المستشفيات الجامعية/العسكرية حسب الجهة.
- يبدأ التحقيق مع المدعي، ثم يُطلب من الممارس المدعى عليه الرد وتقديم مستنداته، مع حقه في توكيل محامٍ.
- تُحال القضية إلى لجنة تقييم طبي، تُعد تقريرًا طبيًا لتحديد وجود الخطأ من عدمه. في حال ثبوت الخطأ: تُحال المعاملة إلى الهيئة الصحية. في حال نفيه: يُحفظ الملف بقرار من مدير الشؤون الصحية، ويحق للمدعي التظلم لدى وزير الصحة أو ديوان المظالم.
سابعًا: إجراءات خاصة بالقضية
- يتم التحفّظ على الملف الطبي طيلة فترة التحقيق والمحاكمة.
- يشترط النظام وجود تأمين إلزامي على الممارسين الصحيين، لكن شركات التأمين لا تضمن تمثيل الطبيب قانونيًا أو حمايته من المنع من السفر.
ثامنًا: خصوصية قضايا الأخطاء الطبية
- لا تشمل هذه القضايا الحبس أو العقوبات التعزيرية، بل تُركّز على التعويضات والإجراءات التأديبية.
- يسقط الحق العام بعد سنة من تاريخ العلم بالخطأ، بينما لا يسقط الحق الخاص أبدًا، ويجوز المطالبة به حتى بعد مرور عشرين عامًا.
تاسعًا: نهاية القضية والشكاوى الكيدية
تنتهي القضية بأحد القرارات التالية:
- عدم وجود خطأ.
- وجود خطأ طبي يستوجب تعويضًا أو عقوبة.
- الجمع بين التعويض والعقوبة. وقد نوّه النظام إلى ضرورة تمكين الطبيب من رد اعتباره في حال ثبوت كيدية الشكوى، خصوصًا في حالات الوشاية أو سوء الفهم أو غياب الثقافة القانونية لدى بعض المراجعين.
التصنيف القانوني لأنواع الأخطاء الطبية
تُصنَّف الأخطاء الطبية إلى أربعة أنماط رئيسية، يُعدّ كل منها إخلالًا جسيمًا بواجبات الممارس الصحي، ويترتب عليها مسؤولية قانونية عند ثبوت الضرر:
- الإهمال الطبي: وهو تقاعس الطبيب عن تقديم الرعاية الطبية اللازمة، أو التباطؤ في اتخاذ التدخلات الضرورية، بما يهدد حياة المريض أو يُلحق ضررًا بصحته.
- الخطأ في التشخيص: ويقع عندما يُخفق الطبيب في تحديد الحالة المرضية بدقة، مما يؤدي إلى صرف علاج غير مناسب أو إهمال علاج الحالة الفعلية، وهو من أكثر الأخطاء شيوعًا وخطورة.
- الخطأ في الإجراءات الجراحية: كإجراء عملية جراحية بطريقة غير صحيحة، أو ارتكاب مخالفة فنية خلال الجراحة تؤدي إلى مضاعفات خطيرة، أو حتى الوفاة.
- صرف أدوية غير مناسبة: ويشمل إعطاء المريض دواءً لا يتناسب مع حالته الصحية أو يتعارض مع تاريخه الطبي، مما يؤدي إلى أضرار جسيمة أو تفاقم الحالة المرضية.
التمييز بين الخطأ الطبي والإهمال الطبي
يُعدّ الخطأ الطبي تصرّفًا غير مقصود يصدر عن الطبيب أو أحد أعضاء الفريق الطبي أثناء أداء مهامه، ويكون ناتجًا عن سهو أو اضطراب نفسي كالتوتر أو القلق، أو نتيجة لنقص في الخبرة أو عدم الإلمام الكامل بالإجراءات الطبية الواجب اتباعها. وعلى الرغم من أن النية لا تكون موجودة للإضرار بالمريض، فإن وقوع الضرر يستوجب المساءلة بحسب ما يقرره النظام.
أما الإهمال الطبي، فهو تصرّف أكثر جسامة، يتمثل في تهاون الطبيب أو الفريق الطبي في متابعة حالة المريض أو تقديم الرعاية اللازمة له، رغم توفر الوقت والمعرفة والوسائل. ويقع هذا النوع من الإخلال غالبًا نتيجة ضعف الكفاءة، أو اللامبالاة، أو عدم تقدير خطورة الحالة. ويُعدّ الإهمال إخفاقًا واضحًا في أداء الواجب المهني، مما يؤدي إلى أضرار جسيمة كان بالإمكان تجنّبها لو بُذلت العناية المطلوبة.
يتخصص المحامي سعد بن عبدالله الغضيان في التعامل مع القضايا التجارية المعقدة، حيث يقدم خدمات قانونية شاملة للشركات والأفراد في المنازعات التجارية والعقود، مع ضمان تحقيق أفضل النتائج القانونية للموكلين..
عقوبات الخطأ الطبي في النظام السعودي
يتعامل النظام السعودي لمزاولة المهن الصحية بحزم مع قضايا الخطأ الطبي، حيث حدّد إطارًا قانونيًا واضحًا للعقوبات التي تُفرض على الممارس الصحي المخالف، وتنقسم هذه العقوبات إلى ثلاث فئات رئيسية:
- العقوبة الجزائية: يُعد الطبيب مسؤولًا جنائيًا عن الأخطاء الطبية التي يرتكبها، وذلك وفقًا لما نصّت عليه المادة (31) من نظام مزاولة المهن الصحية. وتشمل العقوبة الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر، أو غرامة مالية لا تقل عن خمسين ألف ريال سعودي، أو الجمع بين العقوبتين إذا رأت الهيئة الصحية الشرعية مبررًا لذلك.
- العقوبة المدنية: وتتمثل في إلزام الممارس المخطئ بدفع تعويض مالي أو دية شرعية تُقدّر بحسب طبيعة الضرر الناتج عن الخطأ. وتُناط مهمة تقدير هذا التعويض باللجنة المختصة، بناءً على معايير دقيقة.
- العقوبة التأديبية: وهي إجراءات انضباطية تتضمن غرامة لا تتجاوز عشرة آلاف ريال سعودي، أو إنذار رسمي، أو إلغاء ترخيص مزاولة المهنة، أو حتى شطب اسم الطبيب من سجل الممارسين الصحيين في الحالات الجسيمة.
آليات إثبات الخطأ الطبي في النظام السعودي
يُعد إثبات الخطأ الطبي خطوة جوهرية في أي دعوى تعويضية أو مساءلة قانونية، ولا يمكن المطالبة بالحقوق دون بناء هذا الإثبات على معايير قانونية دقيقة، استنادًا إلى ما ورد في نظام مزاولة المهن الصحية. وتقوم عملية الإثبات على ثلاثة عناصر أساسية:
- إثبات العلاقة بين الطبيب والمريض يجب تقديم أدلة تثبت وجود علاقة علاجية قائمة بين الطرفين وقت وقوع الخطأ. ويتحقق ذلك من خلال مستندات رسمية مثل السجلات الطبية، العقود العلاجية، أو الفواتير التي تربط المريض بالمؤسسة الصحية، سواء كانت حكومية أو خاصة.
- تكييف الدعوى وفقًا للنظام بناءً على المادة (27) من نظام مزاولة المهن الصحية، يتوجب على المدعي أن يُبيّن في لائحة الدعوى أن الممارس الصحي قد ارتكب فعلًا يُصنّف كخطأ طبي. ويشترط أن يتضمن التكييف القانوني إيضاح أن الطبيب لم يلتزم بالمعايير المهنية المتعارف عليها، أو أخفق في بذل العناية الواجبة التي يلتزم بها مهنيًا تجاه المريض.
- تحقق وقوع الضرر وارتباطه بالفعل الطبي يُعد ركن الضرر حجر الزاوية في قضايا التعويض، ولا يُمكن إثبات الخطأ الطبي ما لم يُثبت أن المريض قد تعرّض لضرر فعلي ناتج بشكل مباشر عن تصرف الطبيب أو تقصيره. ويتم ذلك من خلال التقارير الطبية، كشوفات مستشفيات أخرى، أو التحقيقات الصادرة من إدارة الالتزام بوزارة الصحة، والتي تقيّم الوقائع وتُبيّن مدى صحة الادعاء.
وفي ضوء ما تقدّم، فإن الالتزام بهذه الأركان والإثباتات يُعد أساسًا متينًا يمكن الاستناد إليه للمطالبة بالتعويض القضائي عن الأضرار الناتجة عن الأخطاء الطبية، وتحقيق نتيجة قانونية عادلة.
خطوات رفع دعوى خطأ طبي في السعودية
إذا تعرّض المريض لضرر نتيجة خطأ طبي في المملكة العربية السعودية، يحق له المطالبة بالتعويض عبر الجهات القضائية المختصة، وذلك بعد المرور بمجموعة من الإجراءات النظامية التي تضمن التحقيق في الواقعة وضمان حقوق جميع الأطراف. وتشمل هذه الخطوات ما يلي:
- تقديم الشكوى: تبدأ الإجراءات بتقديم شكوى رسمية إلى المرفق الصحي الذي وقع فيه الخطأ، أو إلى مديرية الشؤون الصحية التابعة للمنشأة المتورطة في الخطأ الطبي.
- إحالة الشكوى إلى لجنة طبية متخصصة: تقوم لجنة من الخبراء المختصين بمراجعة الشكوى، ودراسة الحالة، وإصدار تقرير فني شامل يوضح ما إذا كان هناك خطأ طبي بالفعل.
- محاولة التسوية الودية: قبل اللجوء إلى القضاء، تُعرض محاولة تسوية ودية على الطرفين، بحضور جلسة مخصصة لسماع وجهات النظر ومناقشة إمكانية الصلح.
- إحالة القضية إلى المحكمة: في حال تعذر التوصل إلى تسوية، تُحال الشكوى إلكترونيًا إلى المحكمة المختصة، والتي تنظر في الدعوى بناءً على الأدلة المقدمة، بما في ذلك تقرير اللجنة الطبية. وإذا تمكّن المدعي من إثبات وقوع الخطأ الطبي، تصدر المحكمة حكمًا بالتعويض المناسب، وفي حال عدم كفاية الأدلة، تُرفض الدعوى.
تقادم دعوى التعويض عن الخطأ الطبي
وفقًا لما ورد في نظام المعاملات المدنية (الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/191 وتاريخ 29/11/1444هـ)، فإن دعاوى التعويض عن الفعل الضار، بما في ذلك الأخطاء الطبية، تخضع لأحكام التقادم الزمني، حيث:
- لا تُقبل دعوى التعويض إذا مضت ثلاث سنوات من تاريخ علم المتضرر بالضرر وبالشخص المسؤول عنه.
- وفي جميع الأحوال، تسقط الدعوى نهائيًا بعد مرور عشر سنوات من تاريخ وقوع الضرر، حتى لو لم يكن المتضرر قد علم به.
تقدير تعويض الخطأ الطبي في السعودية
لا يُحدّد النظام السعودي لمزاولة المهن الصحية مبلغًا ثابتًا لتعويض الخطأ الطبي، بل تُترك سلطة التقدير بالكامل إلى الهيئة الصحية الشرعية، وهي الجهة القضائية المخوّلة بالنظر في دعاوى الأخطاء الطبية وإصدار الأحكام المتعلقة بها. وتُبنى قرارات التعويض على معايير دقيقة تشمل:
- طبيعة الخطأ الطبي المرتكب ومدى جسامته.
- حجم الضرر الذي لحق بالمريض، سواء كان جسديًا، نفسيًا، أو معنويًا.
- نفقات العلاج، الأدوية، الإقامة في المستشفى، والتبعات المالية الأخرى.
- الخسائر المعنوية، مثل فقدان القدرة على العمل أو التأثير على جودة الحياة.
وقد تختلف قيمة التعويضات بشكل كبير بحسب ظروف كل حالة، إذ قد تبدأ من عشرات الآلاف من الريالات وتصل إلى مبالغ بملايين الريالات في حال الأخطاء الجسيمة التي تُخلّف أضرارًا دائمة أو تؤدي إلى الوفاة.
تعطيل قضايا الأخطاء الطبية في السعودية
رغم وجود إطار نظامي واضح في المملكة العربية السعودية لتنظيم قضايا الأخطاء الطبية، إلا أن الواقع العملي يكشف عن تحديات جوهرية تتسبب في تعطيل مسار العدالة وتأخير الفصل في كثير من هذه القضايا الحساسة.
أبرز تلك التحديات يتمثل في غياب محكمة طبية متخصصة، حيث تُنظر القضايا حاليًا أمام الهيئة الصحية الشرعية، وهي لجنة مؤقتة تضم مختصين من جهات متعددة، ما يؤدي أحيانًا إلى بيروقراطية إجرائية وبُطء في إصدار الأحكام، خاصة مع تزايد أعداد الشكاوى وتداخل المسؤوليات.
كما أن اعتماد الهيئة على الرأي الفني والتقارير الطبية يتطلب وقتًا طويلًا في جمع الأدلة ومراجعة السجلات، وقد يتسبب ذلك في تأخر إنصاف المتضررين أو تبرئة الممارسين الصحيين ظلمًا إن لم يتم التحقيق بدقة وعدالة. ومع أن نظام مزاولة المهن الصحية حدّد إجراءات واضحة، فإن تنفيذ الأحكام يظل تحديًا آخر، إذ لا تمتلك الهيئة صلاحية التنفيذ، مما يُطيل أمد التقاضي.
كل هذه العوامل تدعو إلى تسريع إنشاء محكمة طبية مستقلة ومتخصصة، تملك الصلاحيات الكاملة للفصل والتنفيذ، وتُسهم في رفع كفاءة المنظومة القضائية في المجال الطبي، وتحقيق التوازن بين حق المريض.
الأسئلة شائعة
تثير قضايا الأخطاء الطبية العديد من التساؤلات لدى المرضى وذويهم، خاصة فيما يتعلق بالمسؤولية القانونية وآليات التعويض. وفيما يلي أبرز الأسئلة المتكررة وإجاباتها وفقًا للنظام السعودي:
هل يترتب على الخطأ الطبي تعويض للمريض؟
نعم، فقد نصّت المادة (27) من نظام مزاولة المهن الصحية على أن أي خطأ طبي يُرتكب من قِبل ممارس صحي وينتج عنه ضرر للمريض يُلزم مرتكبه بالتعويض الكامل.
كم يبلغ مقدار تعويض الخطأ الطبي في السعودية؟
لا يوجد مبلغ تعويض ثابت، إذ تُقدّر قيمة التعويض بحسب جسامة الخطأ، طبيعة الضرر، وتقدير الهيئة الصحية الشرعية أو المحكمة المختصة، وقد تتفاوت المبالغ من آلاف إلى ملايين الريالات حسب الحالة.
هل توجد رسوم قضائية على دعاوى الأخطاء الطبية؟
نعم، تخضع دعاوى الأخطاء الطبية إلى نظام التكاليف القضائية، وتُفرض رسوم محددة عند تقديم الدعوى.
هل يُحاسب الطبيب على الخطأ الطبي؟
نعم، يُحاسب الطبيب وفقًا للأنظمة المعمول بها عند ثبوت ارتكابه خطأ طبيًا، سواء كان ذلك بسبب الإهمال، التقصير، أو عدم اتباع المعايير المهنية، وتُعد هذه المحاسبة وسيلة لحماية المرضى وردع التهاون في تقديم الرعاية الصحية.
ما هي مسؤولية الطبيب القانونية تجاه المريض؟
يلتزم الطبيب ببذل العناية المهنية الواجبة تجاه المريض، وليس بتحقيق نتيجة مضمونة. ومع ذلك، فإن تقصيره في بذل تلك العناية، أو وقوع خطأ في التشخيص أو العلاج، يجعله مسؤولًا قانونيًا حتى في حال عدم وجود قصد أو تعمد.
كيف يمكن تقديم شكوى ضد مستشفى خاص بسبب خطأ طبي؟
يمكن رفع الشكوى بشكل إلكتروني عبر البوابة الرسمية لوزارة الصحة السعودية، من خلال نموذج الشكاوى المعتمد لمثل هذه الحالات.
إن قضايا الأخطاء الطبية ليست مجرد نزاعات قانونية، بل تمس جوهر العلاقة بين الإنسان والمهنة التي وُجدت لحمايته. ومن هنا، تأتي أهمية التعامل مع هذه القضايا بعينٍ قانونية متخصصة، تمتلك الدراية والمعرفة الكافية لفهم أبعادها الدقيقة. ومن بين الجهات التي أثبتت كفاءة عالية في هذا المجال، يبرز مكتب المحامي سعد بن عبدالله الغضيان للمحاماة والاستشارات القانونية والتحكيم بوصفه شريكًا موثوقًا في السعي نحو العدالة، متسلّحًا بخبرة قانونية متينة ونهج إنساني متزن يوازن بين الحقوق والمسؤوليات.
لا تعليق