الصلح في القضايا التجارية لم يعد خيارًا ثانويًا أو بديلًا مؤقتًا، بل أصبح اليوم أداة استراتيجية في يد التجار وأصحاب المصالح الذين يسعون إلى تسوية النزاعات بطرق تحافظ على العلاقات وتحمي السمعة التجارية وتقلل من الخسائر. وفي ظل تعقيد المعاملات وتشابك المصالح، يبرز الصلح كمسار قانوني راقٍ يُعيد التوازن بين الأطراف ويحقق العدالة دون الانجرار إلى أروقة المحاكم الطويلة والمكلفة. هذا النهج يعكس تحولًا نوعيًا في الفكر القانوني الحديث، حيث لم يعد الانتصار في القضية هو الغاية الوحيدة، بل أصبح الحفاظ على الاستقرار التجاري والمصلحة المشتركة أولوية قصوى.
ومن هنا، يضطلع مكتب المحامي سعد بن عبدالله الغضيان للمحاماة والاستشارات القانونية والتحكيم بدور ريادي في ترسيخ ثقافة الصلح في القضايا التجارية، من خلال تقديم حلول قانونية مبتكرة ترتكز على التفاوض الذكي والاحترافية العالية. فالمكتب لا يكتفي بالتمثيل القانوني التقليدي، بل يسعى إلى بناء جسور الثقة بين الأطراف المتنازعة، مستندًا إلى خبرة راسخة وفهم عميق لطبيعة العلاقات التجارية.
تعريف النزاع التجاري
يُعد النزاع التجاري قائمًا منذ اللحظة التي ينشأ فيها خلاف بين طرفين أو أكثر بشأن ممارسة حق في سياق علاقة ذات طابع تجاري. ويُشترط لاعتبار النزاع تجاريًا أن تكون العلاقة بين الأطراف مبنية على تعاملات تجارية أو عقود ملزمة، وأن يكون أحد الأطراف على الأقل تاجراً أو ذا صفة تجارية.
وتتنوع صور النزاعات التجارية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- التأخير في تسليم البضائع أو الخدمات.
- الإخلال بتنفيذ طلب تعاقدي.
- الامتناع عن سداد فواتير مستحقة.
- استلام بضائع غير مطابقة للمواصفات المتفق عليها.
العنصر الجوهري في تصنيف النزاع على أنه تجاري هو وجود علاقة تجارية قائمة بين الطرفين، تنشأ عن عقد أو تعامل يندرج ضمن الأعمال التجارية. فحضور الصفة التجارية لطرفي النزاع، أو لأحدهما على الأقل، وارتباط الخلاف بمسألة تجارية بحتة، هما ما يضفي على النزاع طابعًا تجاريًا يستوجب نظره وفق أحكام القضاء التجاري.
كيف تتصرف عند نشوء نزاع تجاري؟
عند نشوء نزاع تجاري بين طرفين، تتوفر أمامك عدة خيارات قانونية للتعامل مع الموقف، تبدأ عادة بالحلول الودية وتمتد إلى الإجراءات القضائية عند الحاجة. وكخطوة أولى، يُنصح دائمًا باللجوء إلى تسوية ودية، لما تمتاز به من سرعة، وقلة التكاليف، ومرونة في الوصول إلى اتفاق يُرضي الطرفين دون الدخول في مسارات قضائية معقدة.
لضمان فاعلية هذه المرحلة، من المهم الاحتفاظ بسجل موثق لجميع التبادلات التي جرت بين الطرفين، بما في ذلك الرسائل والمفاوضات، ويفضّل إرسال خطاب مسجل مع إشعار بالاستلام كوسيلة قانونية لإثبات جدية التواصل. وتنتهي التسوية الودية عادة بإعداد مذكرة تفاهم توثّق ما تم الاتفاق عليه، ويُستحسن أن يتم تحريرها بواسطة محامٍ مختص لضمان صياغة محكمة تحفظ الحقوق.
ماذا تفعل في حالة تعذر التسوية ؟
في حال تعذرت التسوية، يمكن اللجوء إلى خيار الوساطة أو التوفيق، حيث يتدخل طرف ثالث محايد للمساعدة في التوصل إلى حل يُرضي الجانبين. ورغم أن الوساطة ليست إجراءً إلزاميًا في كل الحالات، إلا أنها أصبحت خيارًا متزايد الأهمية في الإجراءات النظامية، بل تُعد أحيانًا مرحلة تمهيدية ضرورية قبل اللجوء إلى القضاء.
وإذا لم تُفضِ الوساطة إلى نتيجة، يُحال النزاع إلى المحكمة المختصة، بحسب موضوع النزاع وصفة أطرافه (أفراد أو جهات مهنية). ويتم ذلك إما عبر طلب مشترك من الطرفين، أو من خلال دعوى قضائية أحادية الجانب في حال امتناع أحد الأطراف، مع إمكانية طلب تدابير وقتية في الحالات المستعجلة.
أهمية الاستعانة بمحامٍ في الدعاوى التجارية
وقد تتيح بعض الأنظمة للمتقاضي رفع الدعوى بنفسه، إلا أن الاستعانة بمحامٍ تكون في كثير من الحالات إلزامية أو على الأقل موصى بها بشدة. وهنا، يمكنك الاعتماد على خبرات مكتب المحامي سعد بن عبدالله الغضيان للمحاماة والاستشارات القانونية والتحكيم المتخصصين في القانون التجاري وقانون الشركات، لمرافقتك في جميع مراحل التقاضي، وصياغة المذكرات، وضمان إدارة قانونية دقيقة للنزاع من البداية حتى صدور الحكم.
إجراءات الصلح في القضايا التجارية
تُعد المصالحة وسيلة قانونية بديلة لتسوية النزاعات، تقوم على التوفيق بين الأطراف المتنازعة بهدف إنهاء الخلاف دون اللجوء إلى القضاء. وهي عملية سرية وطوعية، يُديرها طرف ثالث محايد (الوسيط أو الموفق)، يُساعد الأطراف على التفاوض والوصول إلى حل ودي يرضي جميع الأطراف.
وتُستخدم آلية الصلح على نطاق واسع لحل طيف متنوع من النزاعات، من أبرزها:
- النزاعات التجارية والمالية، كالمطالبات بين الشركات، أو خلافات العقود.
- الخلافات الأسرية، بما في ذلك مسائل الطلاق والنفقة وحضانة الأطفال.
- النزاعات العقارية، كتعديات الملكية أو منازعات البيع والإيجار.
- خلافات التوظيف والعمل، وما يتصل بحقوق الموظف وصاحب العمل.
- قضايا الملكية الفكرية، والإعسار، والتأمين، والشراكات، والمسؤولية البيئية، والمسؤولية عن المنتجات.
- كما تُعتمد المصالحة أيضًا لتسوية نزاعات ذات طابع إداري أو تنظيمي، مثل:
- الخلافات العمالية
- المسائل الضريبية والجمركية
- منازعات مكافحة الاحتكار
- قضايا حماية المستهلك
وتقوم إجراءات الصلح على خطوات منظمة تبدأ بموافقة الأطراف على الدخول في التسوية، يليها تعيين وسيط محايد، ثم عقد جلسات تفاوض غير رسمية يتم فيها استعراض وجهات النظر، وتبادل المقترحات، واستكشاف الحلول، وصولًا إلى اتفاق مُرضٍ يُوثّق رسميًا إذا تم التوصل إليه.
تُعد هذه الوسيلة أداة فعّالة لحل النزاعات بمرونة وسرعة وكلفة أقل، مع الحفاظ على العلاقات بين الأطراف وتقليل الآثار النفسية والمالية المترتبة على التقاضي التقليدي.
مزايا الصلح كأداة فعّالة لحل النزاعات التجارية
وسيلة سريعة ومرنة لتسوية الخلافات
يُعتبر الصلح من أبرز الوسائل البديلة لتسوية النزاعات، ويتميّز بسرعته ومرونته مقارنة بالتقاضي التقليدي. يعتمد الصلح على موافقة الأطراف ولا يُلزمهم إلا إذا تم التوصل إلى اتفاق نهائي، مما يجعله خيارًا مناسبًا لحل النزاعات التجارية والتعاقدية بكفاءة وتكلفة منخفضة.
لا حاجة لنص تعاقدي مسبق
لا يشترط النظام وجود بند صريح في العقد يُلزم باللجوء إلى الصلح. يمكن للأطراف الاتفاق على هذه الوسيلة في أي مرحلة من مراحل النزاع، سواء قبل رفع الدعوى أو أثناء سيرها، وهو ما يُعزز من مرونة هذا الخيار القانوني.
اتفاق الصلح يكتسب قوة تنفيذية
عند التوصل إلى اتفاق صلح أمام مصلح معتمد وتوقيعه من جميع الأطراف، يُعامل الاتفاق معاملة الحكم القضائي أو قرار التحكيم. ويُصبح واجب النفاذ أمام المحاكم المختصة، ما يوفر استقرارًا قانونيًا للطرفين.
الحفاظ على العلاقات التجارية وتقليل المخاطر
اللجوء إلى الصلح لا يحفظ فقط الوقت والمال، بل يُساعد أيضًا في الحفاظ على العلاقة التجارية بين الطرفين. كما يمنح الأطراف حرية وضع شروط التسوية بأنفسهم، بدلاً من الاعتماد على حكم قضائي قد لا يتناسب مع مصالحهم.
حالات انتهاء إجراءات المصالحة
تنتهي إجراءات المصالحة في عدد من الحالات النظامية والموضوعية التي تُفقد العملية جدواها أو استمراريتها، وتتمثل أبرز هذه الحالات في الآتي:
- إصدار وثيقة صلح رسمية وتوقيعها من جميع الأطراف بما يُعبّر عن تراضيهم الكامل، مما يُنهي النزاع بشكل نهائي.
- غياب أحد الأطراف عن جلسات المصالحة دون عذر مقبول، بما يُعطل سير الإجراءات.
- انسحاب أحد الأطراف في أي مرحلة من مراحل المصالحة، مما يفقد العملية ركنًا أساسيًا من أركانها.
- تعذر الاستمرار في المصالحة بسبب وفاة أحد الأطراف أو زوال شخصيته الاعتبارية، أو لأي سبب قانوني يمنع المضي في التسوية.
- عدم اكتمال البيانات الأساسية المتعلقة بأحد أطراف النزاع، بما يحول دون استيفاء متطلبات النظر الموضوعي.
- تجاوز عدد الجلسات أو المدة الزمنية المحددة للمصالحة دون التوصل إلى اتفاق، وفقًا لما تنص عليه القواعد المنظمة.
- رأي المصلح بعدم جدوى استمرار العملية، إذا تبين له أن فرص الوصول إلى تسوية أصبحت معدومة.
- تكرار مخالفة الأطراف لآداب المصالحة أو إجراءاتها، بما يعيق النظام والانضباط الواجب توافره في هذه الآلية التفاوضية.
تشكل هذه الضوابط إطارًا تنظيميًا يضمن فعالية المصالحة، ويمنح المصلح الصلاحية اللازمة لوقف الإجراءات حينما يتعذر الوصول إلى تسوية حقيقية، حفاظًا على وقت وجهد جميع الأطراف.
متى يكون اللجوء إلى المصالحة إلزاميًا في النزاعات التجارية؟
يفرض النظام في بعض الحالات اللجوء إلى المصالحة كإجراء أولي إلزامي قبل رفع الدعوى أمام المحكمة التجارية، وذلك بهدف تشجيع الحلول الودية وتقليل أعباء التقاضي. وتشمل هذه الحالات ما يلي:
- دعاوى منازعات الشركاء في شركة المضاربة، لما تنطوي عليه من علاقات شراكة تتطلب الحفاظ على الثقة والتفاهم بين الأطراف.
- المنازعات الناشئة بين التجار نتيجة ممارسة أعمالهم التجارية، سواء أكانت أصلية أم تبعية.
- الدعاوى المقامة على التاجر في منازعات العقود التجارية، إذا لم تتجاوز قيمة المطالبة الأصلية مليون ريال سعودي.
- الدعاوى التي يكون أطرافها زوجين أو تربطهم صلة قرابة حتى الدرجة الرابعة، حرصًا على خصوصية العلاقة وسرية الحل.
- الدعاوى المتعلقة بالعقود التي تنص صراحة على شرط المصالحة أو التسوية الودية قبل التقاضي.
- الدعاوى المتعلقة بالحارس القضائي، أو الأمين، أو المصفي، أو الخبير، متى كان النزاع متعلقًا بدعوى من اختصاص المحكمة التجارية.
- دعاوى التعويض عن الأضرار الناتجة عن نزاع سبق أن نظرت فيه المحكمة أو له صلة بإجراءات تجارية قائمة.
يلزم في هذه الحالات استنفاد إجراءات المصالحة قبل قيد الدعوى، ويُعد عدم الالتزام بها سببًا لرفض الدعوى شكلاً. وتهدف هذه الآلية إلى تعزيز مبدأ العدالة التصالحية وتخفيف الضغط على النظام القضائي، مع إتاحة الفرصة لأطراف النزاع للتوصل إلى حلول مرنة تحفظ الحقوق وتراعي المصالح المتبادلة.
خطوات وإجراءات الصلح في النزاعات التجارية عبر منصة تراضي
بدء العملية باتفاق مشترك بين الأطراف
تنطلق إجراءات الصلح من خلال اتفاق مبدئي بين الطرفين المتنازعين، يعبّران فيه عن رغبتهما في تسوية النزاع وديًا دون اللجوء إلى المحاكم. هذا الاتفاق هو الأساس الذي تُبنى عليه بقية مراحل العملية التصالحية.
اختيار مصلح محايد ومؤهل
يُعيّن الطرفان مصلحًا بالاتفاق بينهما، بشرط أن يكون محايدًا ومستقلًا عن أي طرف من أطراف النزاع. يهدف هذا الشرط إلى ضمان الموضوعية والحياد الكامل في إدارة الجلسات وإيجاد الحلول.
الجلسة الافتتاحية وتنظيم إطار العمل
في أول جلسة، يُحدد من سيحضر من الأطراف أو من يمثلهم، ويتم توضيح الرسوم إن وُجدت. يقوم المصلح بشرح آلية الصلح وخطواته، ويعرض القواعد الإجرائية التي تُنظّم الجلسات، مع التشديد على الالتزام بها من جميع المشاركين.
عرض المواقف وتحديد جوهر النزاع
في الجلسة التالية، يُمنح كل طرف فرصة لعرض موقفه القانوني ووجهة نظره بشأن النزاع. خلال هذه المرحلة، يستمع المصلح فقط دون تدخل، بهدف فهم طبيعة الخلاف وتحديد النقاط الجوهرية التي تحتاج إلى معالجة.
جلسات المداولة وتقديم الحلول
تُعقد جلسات مداولة مشتركة يقودها المصلح، ويجري خلالها استكشاف الحلول الممكنة وتقديم مقترحات عملية تراعي مصالح الطرفين. تستمر هذه الجلسات بحسب تفاعل الأطراف واستعدادهم للتوصل إلى تسوية.
ما هو دور منصة تراضي في تسهيل الصلح التجاري؟
تُعد منصة “تراضي” إحدى المبادرات الرقمية التي أطلقتها وزارة العدل لتوفير وسيلة مرنة وعادلة لتسوية النزاعات. تسهم المنصة في تقليل الأعباء القضائية، والحفاظ على سرية المعاملات التجارية، وتُشجع على إنهاء النزاعات بطريقة تحفظ العلاقة بين الشركاء.
خدمات مكتب المحامي سعد الغيضان في حل النزاعات والتقاضي التجاري
في مكتب المحامي سعد بن عبدالله الغضيان للمحاماة والاستشارات القانونية والتحكيم نؤمن بأن فهم طبيعة عملك وأهدافك التجارية والشخصية هو الأساس لتقديم حلول قانونية متكاملة وفعّالة. نعمل عن قرب مع عملائنا لتقليل المخاطر القانونية، وتقديم الدعم في جميع مراحل العلاقة التجارية، سواء في الوقاية من النزاعات أو إدارتها أو حسمها.
تشمل خدماتنا القانونية في مجال حل النزاعات والتقاضي التجاري ما يلي:
- تنظيم وإدارة علاقاتك التعاقدية مع الأطراف الخارجية مثل المورّدين، الوكلاء، المشترين، العملاء، والمستشارين، بما يضمن وضوح الالتزامات وحماية الحقوق.
- معالجة النزاعات الداخلية بين أعضاء مجلس الإدارة، المساهمين، والموظفين، خاصة في حالات خرق العهد، إساءة استخدام الثقة، أو الإخلال بالواجبات القانونية والتنظيمية.
- حماية الأصول التجارية، بما في ذلك الملكية الفكرية، والعلامات التجارية، والحقوق الحصرية الخاصة بنشاطك.
- تعزيز المركز المالي القانوني لشركتك من خلال مراجعة وصياغة اتفاقيات التمويل، الترتيبات المصرفية، الضمانات، والأوراق المالية.
وعندما لا تنجح الوساطة أو التسويات الودية في إنهاء النزاع، فإننا نمتلك الخبرة الكاملة في تمثيلك أمام الجهات القضائية المختصة، ابتداءً من تقديم الدعوى وحتى صدور الحكم وتنفيذه، لضمان حماية مصالحك وتحقيق أفضل النتائج الممكنة.
اختصاصات المحكمة التجارية وشروط قبول الدعوى أمامها
تُعد المحاكم التجارية الجهة القضائية المختصة بالنظر في النزاعات التي تنشأ ضمن نطاق المعاملات التجارية، ويشمل اختصاصها ما يلي:
- كافة المنازعات التجارية الأصلية والتبعية التي تقع بين التجار نتيجة ممارستهم لأعمالهم التجارية.
- الدعاوى المقامة ضد التاجر، سواء تعلقت بأعماله التجارية الأصلية أو ما يتفرع عنها من التزامات تبعية.
- الخلافات بين الشركاء داخل الكيانات والشركات التجارية، أياً كان نوعها أو نشاطها.
أما بشأن شروط رفع الدعوى التجارية، فقد حدد النظام ضوابط أساسية يجب استيفاؤها لضمان قبول الدعوى أمام المحكمة، وذلك في حال وجود نزاع تجاري والمدعى عليه تاجر، ومن أبرز هذه الشروط:
إخطار المدعى عليه كتابيًا بمضمون المطالبة، وذلك قبل رفع الدعوى بمدة لا تقل عن خمسة عشر يومًا. ويُشترط أن يكون الإخطار واضحًا ومحددًا في موضوع المطالبة.
في حال كان المدعى عليه مؤسسة أو شركة، فيجب إرفاق نسخة من السجل التجاري أو مستخرج تجاري رسمي صادر عن وزارة التجارة يثبت صفته القانونية ووجوده النظامي.
تُعد هذه الضوابط جزءًا من التنظيم الإجرائي الذي يهدف إلى ضمان جدية الدعوى، وتمكين الأطراف من تسوية النزاعات بشكل ودي قبل اللجوء إلى القضاء، مع تأكيد أهلية المحكمة التجارية للفصل في المنازعات ذات الطابع التجاري الخالص.
إلزامية المصالحة والوساطة قبل التقاضي في المنازعات التجارية
أصبح اللجوء إلى إجراءات المصالحة والوساطة خطوة نظامية واجبة على أطراف النزاع في عدد من القضايا التجارية، قبل رفع الدعوى أمام المحكمة. ويهدف هذا الإجراء إلى تقليص حجم المنازعات القضائية، وتوفير بدائل ودّية لحل النزاع، تُراعي خصوصية العلاقات التجارية والأسرية، وتُسرّع الوصول إلى حلول مرضية للطرفين.
وتشمل القضايا التي يُلزم فيها الأطراف بالمصالحة أو الوساطة قبل قيد الدعوى ما يلي:
- منازعات الشركاء ضمن شركة المضاربة.
- الخلافات الناشئة بين التجار بسبب أعمالهم التجارية الأصلية أو التابعة، والدعاوى المرفوعة على التاجر في منازعات العقود التجارية، إذا كانت قيمة المطالبة الأصلية لا تتجاوز مليون ريال.
- القضايا التي يكون أطرافها زوجين أو تربطهم صلة قرابة حتى الدرجة الرابعة.
- الدعاوى المرتبطة بعقود تنص صراحة وبالكتابة على ضرورة اللجوء للمصالحة أو الوساطة أو التسوية الودية قبل اللجوء إلى المحكمة.
- ويُعد شرط اللجوء للمصالحة متحققًا في الحالات الآتية:
- تقديم وثيقة تفيد بانتهاء إجراءات المصالحة دون الوصول إلى صلح، أو تحقق صلح جزئي في بعض أوجه النزاع.
- مرور ثلاثين يومًا على بدء إجراءات المصالحة دون التوصل إلى اتفاق، ما لم يتم الاتفاق بين الأطراف على مدة أطول.
مع العلم أن رفع الدعوى لا يمنع استمرار إجراءات المصالحة أو الوساطة، إذ تملك المحكمة في أي مرحلة من مراحل التقاضي إحالة الخصوم إلى هذه الوسائل البديلة، بشرط موافقتهم، ويُثبت ذلك رسميًا في محضر القضية، مع أخذ مدة إجراءات المصالحة في الاعتبار عند تحديد الجلسات التالية.
وفي حال نجاح المصالحة بعد قيد الدعوى، يُعد ما تم الاتفاق عليه بين الأطراف بمثابة محضر صلح رسمي، يُوقع عليه الخصوم والموظف المختص، ويُذيل بالصيغة التنفيذية وفقًا لأحكام نظام التنفيذ، وتزوَّد المحكمة بنسخة منه، وتُعد القضية منتهية قانونًا.
الإجراءات التمهيدية النظامية في المنازعات التجارية قبل رفع الدعوى
يتيح النظام للأطراف المتعاقدة في التعاملات التجارية فرصة اللجوء إلى عدد من الإجراءات التمهيدية قبل قيد الدعوى لدى المحكمة، وذلك بإشراف قضائي يضمن عدالة الإجراءات وفاعليتها، ويُسهم في حسم النزاع بشكل ودي أو تنظيم مسار الدعوى بصورة أكثر كفاءة.
ومن أبرز هذه الإجراءات التي يمكن اتخاذها ما يلي:
- اللجوء إلى المصالحة أو الوساطة كأدوات بديلة لتسوية النزاع بعيدًا عن التقاضي.
- تبادل المذكرات والمستندات بين الأطراف لتوضيح المواقف وتحديد نطاق النزاع.
- عقد اجتماع مشترك بإشراف المحكمة لتحديد نطاق الطلبات والدفوع، وفرز البينات والوثائق اللازمة.
تُعد هذه الخطوات مرحلة حيوية في تنظيم الخصومة، وتساهم في ترشيد الوقت والجهد، وقد تؤدي في بعض الأحيان إلى إنهاء النزاع قبل وصوله إلى قاعة المحكمة.
إلزامية التمثيل القانوني أمام المحاكم التجارية
أصبح التمثيل القانوني عبر محامٍ معتمد شرطًا أساسيًا لرفع الدعاوى التجارية والاعتراض على أحكامها، وذلك أمام المحكمة التجارية بمختلف درجاتها. ويشمل هذا الإلزام تقديم الدعاوى الأصلية، وطلبات الاستئناف، وطلبات النقض، والتماس إعادة النظر، إضافة إلى الترافع أمام الدوائر الابتدائية ودوائر الاستئناف، باستثناء بعض الحالات التي حدّدها النظام بوضوح.
الاستثناءات من شرط تمثيل المحامي تشمل الدعاوى التالية
- الدعاوى المرفوعة ضد التاجر والمتعلقة بمنازعات العقود التجارية.
- الدعاوى والطلبات المرتبطة بالحارس القضائي أو الأمين أو المصفّي أو الخبير المعيّنين، إذا كان النزاع متعلقًا بدعوى من اختصاص المحكمة.
- دعاوى التعويض عن الأضرار الناتجة عن قضايا سبق للمحكمة النظر فيها.
- الدعاوى اليسيرة التي لا تتجاوز قيمتها خمسين ألف ريال.
- طلبات الاستئناف على الأحكام أو القرارات أو الأوامر الصادرة في الدعاوى المذكورة أعلاه.
الدعاوى التي يُشترط فيها تمثيل محامٍ أمام المحاكم التجارية
إذا كانت قيمة المطالبة الأصلية تتجاوز عشرة ملايين ريال
وذلك في:
- المنازعات الناشئة بين التجار بسبب أعمالهم التجارية الأصلية أو التبعية.
- المنازعات المتعلقة بالعقود التجارية بين التجار.
- الدعاوى المرتبطة بالحارس القضائي أو الأمين أو المصفّي أو الخبير، متى كان النزاع تابعًا لاختصاص المحكمة.
- دعاوى التعويض عن الأضرار الناتجة عن قضايا تم البتّ فيها سابقًا من قبل المحكمة.
إذا تجاوزت المطالبة الأصلية مليوني ريال
وذلك في:
- منازعات الشركاء ضمن شركات المضاربة.
- الدعاوى المتعلقة بتطبيق نظام الشركات.
- القضايا الناشئة عن أنظمة الملكية الفكرية.
- المخالفات المرتبطة بالأنظمة التجارية الأخرى.
في حال ارتبطت الدعوى بطلب افتتاح إجراء لإعادة التنظيم المالي
بما في ذلك:
- القضايا الناشئة عن تطبيق نظام الإفلاس.
تُبرز هذه الضوابط أهمية الاستعانة بمحامٍ متخصص في القضايا التجارية، ليس فقط للامتثال للنظام، بل لضمان الكفاءة القانونية في إدارة النزاع وتقديم المرافعات والاعتراضات بالشكل الأمثل.
ضوابط قيد الدعاوى التجارية وشروط الإخطار المسبق
قبل رفع الدعوى التجارية، يُلزم النظام المدعي بتوجيه إخطار كتابي إلى المدعى عليه، يطالبه فيه بأداء الحق محل النزاع، وذلك قبل خمسة عشر يومًا على الأقل من تاريخ قيد الدعوى. ويُشترط هذا الإخطار في جميع الدعاوى الخاضعة لاختصاص المحكمة التجارية، باستثناء الحالات التالية:
- الدعاوى المرتبطة بالعقوبات المنصوص عليها في الأنظمة التجارية.
- الدعاوى التي تكون جهة إدارية طرفًا فيها.
- الدعاوى التي حددت إجراءات رفعها بنص نظامي خاص.
- الدعاوى اليسيرة.
- الطلبات المستعجلة.
- ويجب أن يتضمن الإخطار الموجه للمدعى عليه العناصر التالية:
بيانات الأطراف، وموضوع النزاع، والطلبات محل المطالبة، والمستندات المؤيدة لها. ويُعد الإخطار محققًا إذا تم إرسال هذه البيانات إلى أي عنوان من عناوين المدعى عليه، وبأي وسيلة كانت. كما يُعد في حكم الإخطار تقديم ما يُثبت اللجوء إلى الوساطة أو المصالحة أو التسوية الودية قبل قيد الدعوى بما لا يقل عن خمسة عشر يومًا.
أما عن قيد الدعوى رسميًا، فيتم من خلال إيداع صحيفة الدعوى لدى المحكمة، ويُشترط أن تتضمن الصحيفة ما يلي:
- الاسم الكامل للمدعي والمدعى عليه (سواء أشخاصًا طبيعيين أو اعتباريين)
- رقم الهوية الوطنية للشخص الطبيعي، ورقم السجل التجاري أو ترخيص الاستثمار للشخص الاعتباري أو المستثمر الأجنبي، بحسب الأحوال.
- رقم الهاتف المحمول لكل من المدعي ووكيله، وممثل الجهة المدعى عليها.
- تاريخ الإخطار – في الحالات التي يتطلبها النظام.
- معلومات عن نشاط الطرف المدعى عليه إذا كان تاجرًا
- رقم رخصة المحاماة، إذا كان النظام يشترط أن تُرفع الدعوى بواسطة محامٍ مرخّص.
- بيانات أي دعاوى مرتبطة إن وجدت.
- حصر دقيق للطلبات، وبيان الأسانيد النظامية والموضوعية لكل طلب.
ويُحظر الجمع بين طلبات متعددة لا صلة لها ببعضها في صحيفة دعوى واحدة. فإذا وُجدت عدة طلبات، وجب على المدعي بيان الرابط بينها بوضوح، وإلا قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى، ما لم يقتصر المدعي على طلب واحد محدد.
تشكل هذه الضوابط ركيزة أساسية في تنظيم عملية التقاضي التجاري، بما يعزز الشفافية ويضمن العدالة للطرفين في إطار منضبط وفعال.
مهام الإدارة المختصة في تهيئة الدعاوى التجارية
تتولى الإدارة المختصة في المحكمة التجارية مهمة تهيئة الدعوى قبل عرضها على الدائرة القضائية، وذلك لضمان جاهزيتها من الناحية الشكلية والإجرائية، بما يحقق فاعلية سير العدالة. وتشمل مهام التهيئة الإجراءات التالية:
- استكمال الوثائق والأوراق اللازمة لقيد الدعوى بصورة نظامية.
- تبليغ الأطراف المعنيين بموجب القواعد المحددة.
- تنظيم عملية تبادل المذكرات والمستندات بين الخصوم.
- إعداد تقرير تمهيدي عن الدعوى، يتضمن تحليل المسائل الأولية، وتحديد نطاق النزاع بدقة، وحصر الأدلة ذات العلاقة.
- توضيح الإجراءات التي سبق اتخاذها قبل قيد الدعوى، مثل الإخطارات أو المصالحة أو الوساطة.
طلب استكمال أي متطلبات لازمة لاستكمال التهيئة، ومنها: المستندات المتعلقة ببيانات الأطراف أو نشاطاتهم التجارية، أو المشار إليها في صحيفة الدعوى أو المذكرات، والوثائق التي يفرض النظام أو اللائحة أو الأنظمة التجارية تقديمها، أو ما تتطلبه نماذج العمل المعتمدة في المحكمة.
تُعد هذه الإجراءات مرحلة تأسيسية لا غنى عنها لضمان سير الدعوى بكفاءة، وتفادي أي تأخير ناتج عن نقص أو خلل في البيانات والمستندات، كما تضمن أن تُعرض القضية على القاضي وهي مكتملة من الناحية الإجرائية وجاهزة للفصل الموضوعي.
ضوابط الحضور والغياب في الدعاوى التجارية
حالات اعتبار الخصومة حضورية
تُعد الخصومة حضورية في الحالات التالية:
-
إذا تم تبليغ المدعى عليه شخصيًا.
-
إذا تم التبليغ لوكيله النظامي.
-
إذا حضر المدعى عليه أو وكيله إحدى الجلسات.
-
إذا قدّم مذكرة بدفاعه، حتى وإن لم يحضر الجلسات التالية.
في هذه الحالات، تُعامل الخصومة على أنها حضورية، ويترتب على ذلك أثر قانوني في اعتبار الحكم الصادر حكمًا حضوريًا.
إجراءات الغياب عند التبليغ لغير الشخص
إذا جرى تبليغ المدعى عليه لغير شخصه ولم يحضر هو أو وكيله، تلتزم المحكمة بتأجيل الجلسة وتحديد موعد جديد مع إعادة التبليغ.
وإذا تكرر الغياب في الجلسة الثانية بعد تبليغ لغير شخصه، تفصل المحكمة في الدعوى، ويُعد الحكم حضوريًا في حقه رغم الغياب، استنادًا إلى القواعد النظامية.
التبليغ الرسمي للشخصيات الاعتبارية
تُعامل الشركات والمؤسسات معاملة التبليغ الشخصي، ويُعد تبليغها عبر الطرق الرسمية تبليغًا نافذًا لشخصها المعنوي، مما يُرتب عليها جميع الآثار القانونية المترتبة على التبليغ.
أثر غياب المدعي عن الجلسات
إذا تغيب المدعي عن جلسة دون تقديم عذر تقبله المحكمة، فللمحكمة أن:
-
تفصل في الدعوى بناءً على طلب المدعى عليه إذا كانت صالحة للحكم، ويُعد الحكم حضوريًا.
-
تقرر شطب الدعوى إذا لم تكن صالحة للفصل، ويجوز للمدعي طلب السير فيها خلال ثلاثين يومًا.
إذا لم يطلب المدعي السير خلال المدة، أو حضر ثم تغيّب مرة أخرى دون عذر، تُصدر المحكمة حكمًا باعتبار الدعوى كأن لم تكن.
الهدف من هذه الضوابط
تهدف هذه الإجراءات إلى تحقيق التوازن بين تمكين الأطراف من حق التقاضي، وضمان الانضباط الإجرائي أمام المحكمة. كما تُعزز مبدأ المواجهة وتمنع تعطيل سير العدالة بسبب غياب غير مبرر.
تصحيح الأحكام وتفسيرها والاعتراض عليها في القضاء التجاري
تصحيح الأحكام التجارية من الأخطاء المادية
تختص الدائرة التي أصدرت الحكم أو أيّدته بالفصل في طلب التصحيح، سواءً تقدم به أحد الخصوم أو قررته المحكمة من تلقاء نفسها.
يشمل التصحيح الأخطاء المادية البحتة مثل الأخطاء الكتابية أو الحسابية التي لا تمس جوهر الحكم.
تصدر المحكمة قرارًا مستقلًا يُبيّن فيه تفاصيل الخطأ والتصحيح المعتمد، ويُعتبر هذا القرار جزءًا من الحكم، ويخضع لطرق الاعتراض النظامية.
تفسير منطوق الحكم عند وجود غموض
يجوز لأي من الخصوم طلب تفسير منطوق الحكم إذا شابه غموض أو لَبس في معناه.
تنظر المحكمة هذا الطلب في جلسة علنية، ويُصدر قرار بالتفسير يُعد متممًا للحكم الأصلي، ويخضع كذلك لطرق الاعتراض وفق النظام.
ضوابط الاعتراض على الأحكام التجارية
من يملك حق الاعتراض؟
لا يُقبل الاعتراض على الحكم إلا من:
-
صدر الحكم ضده.
-
لم يُقض له بكامل طلباته.
ويجوز للطرفين الاتفاق مسبقًا، حتى قبل رفع الدعوى، على أن يكون الحكم الابتدائي نهائيًا غير قابل للطعن.
أنواع الأحكام القابلة للاعتراض
-
الأحكام التمهيدية لا يجوز الاعتراض عليها إلا مع الاعتراض على الحكم النهائي.
-
الأحكام الصادرة في المسائل التالية يجوز الاعتراض عليها استقلالًا والتي تشمل ” وقف الدعوى، عدم الاختصاص، عدم سماع الدعوى، الدفع بوجود شرط التحكيم، الأحكام الوقتية والمستعجلة.
لا يترتب على الاعتراض وقف تنفيذ الأحكام المشمولة بالتنفيذ المعجل، إلا إذا قررت المحكمة خلاف ذلك.
ولا يجوز أن يُضار المعترض من اعتراضه، أي لا يجوز إصدار حكم أشد ضررًا عليه بسبب اعتراضه.
متطلبات لائحة الاعتراض
البيانات الواجب تضمينها في اللائحة
يجب أن تحتوي لائحة الاعتراض على العناصر التالية:
-
بيانات الحكم: المحكمة، تاريخ الحكم، رقم الدائرة، أسماء القضاة.
-
بيانات الأطراف وصفاتهم النظامية.
-
عرض موجز لوقائع الدعوى وطلبات الخصوم ودفوعهم.
-
ملخص منطوق الحكم وأسبابه.
-
ملخص وافي للاعتراض يشمل ” الطلبات محل الاعتراض، أسباب الاعتراض، الرد على الدفوع الجوهرية، ما لم يكن الحكم قد تناولها صراحة”
دور الاعتراض في تعزيز العدالة التجارية
يمثل حق الاعتراض وسيلة قانونية فعالة لضمان العدالة القضائية في القضايا التجارية.
وهو يُكرّس مبدأ التقاضي على درجتين، ويعزز الثقة في حياد المحاكم وجودة أحكامها، ويسمح بإصلاح الأخطاء أو إعادة تقييم الموقف القانوني عند الحاجة.
في ظل التسارع الاقتصادي وتزايد النزاعات في البيئة التجارية، يظل الصلح أحد أنجع الوسائل لحسم الخلافات دون تصعيد، إذ يوفّر الوقت، ويخفض التكاليف، ويحفظ العلاقات. ومتى ما توفر الإشراف القانوني المتخصص، بات الصلح طريقًا آمنًا لتحقيق العدالة برضا الطرفين. ومن خلال الدعم الذي يقدمه مكتب المحامي سعد بن عبدالله الغضيان للمحاماة والاستشارات القانونية والتحكيم، يصبح الوصول إلى حلول ودية عادلة في القضايا التجارية أمرًا ممكنًا وفعّالًا، يعكس فهمًا عميقًا للتوازن بين الحقوق والمصالح، ويعيد للثقة مكانتها في عالم الأعمال.
لا تعليق