عقوبة غسيل الاموال في السعودية من أشد العقوبات التي يفرضها النظام، نظرًا لما تمثله هذه الجريمة من تهديد للاقتصاد والأمن المالي. فقد شددت المملكة على ملاحقة كل من يشارك في تحويل أو إخفاء أموال غير مشروعة، وتصل العقوبة إلى السجن عشر سنوات وغرامة تصل إلى خمسة ملايين ريال، مع مصادرة الاموال محل الجريمة ونشر الحكم لردع الآخرين.
ويشير مكتب المحامي سعد بن عبدالله الغضيان للمحاماة والاستشارات القانونية والتحكيم إلى أن الوقاية لا تقل أهمية عن العقوبة، فمراقبة التعاملات المالية والإفصاح عن مصادر الدخل من أهم الوسائل لتجنّب عقوبة غسيل الاموال في السعودية، وحماية الأفراد والشركات من المساءلة القانونية.
ما هي عقوبة غسيل الاموال في السعودية؟
وفقًا للمادة (26) من النظام، يُعاقب مرتكب الجريمة بالسجن مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز عشر سنوات، أو بغرامة مالية تصل إلى خمسة ملايين ريال سعودي، أو بكلتا العقوبتين معًا، بحسب جسامة الفعل ودوره في العملية الإجرامية.
أما المادة (27) فقد جاءت أكثر صرامة حين نصّت على أن العقوبة تُغلّظ لتصبح السجن من ثلاث إلى خمس عشرة سنة أو غرامة لا تزيد على سبعة ملايين ريال أو بكلتا العقوبتين، إذا ارتبطت الجريمة بأي من الظروف المشددة التالية:
- ارتكاب الجريمة ضمن جماعة إجرامية منظمة.
- استخدام العنف أو الأسلحة أثناء تنفيذها.
- ارتباط الجريمة بوظيفة عامة أو استغلال السلطة والنفوذ.
- الاتجار بالبشر أو استغلال القُصّر ومن في حكمهم.
- تنفيذ الجريمة عبر مؤسسات إصلاحية أو خيرية أو تعليمية أو في مرافق خدمية اجتماعية.
- صدور أحكام سابقة محلية أو دولية بإدانة الجاني في جرائم مشابهة.
وتؤكد هذه النصوص أن المملكة تتعامل مع غسل الاموال باعتباره جريمة كبرى تمس نزاهة النظام المالي، ولا تتهاون في معاقبة مرتكبيها لحماية الاقتصاد الوطني وردع كل من تسوّل له نفسه المساس باستقراره.
يُعد مكتب المحامي سعد بن عبدالله الغضيان للمحاماة والاستشارات القانونية والتحكيم من المكاتب الرائدة في القضايا المالية وقضايا غسيل الاموال في السعودية، بخبرة قانونية عميقة في الدفاع والاستشارات المتخصصة. يقدّم المكتب خدماته باحترافية عالية لضمان حماية حقوق العملاء والالتزام بأحكام النظام السعودي بدقة وشفافية.
هل يمكن تخفيف عقوبة غسيل الاموال في السعودية؟
رغم تشديد النظام السعودي على معاقبة مرتكبي غسل الاموال، إلا أنه أجاز تخفيف العقوبة في حالة تعاون الجاني مع السلطات بشكل فعّال. فوفقًا للمادتين (29) و(30) من النظام، يُمكن تخفيف الحكم إذا بادر أحد الجناة إلى الإبلاغ عن شركائه أو عن الأموال المتحصلة قبل علم الجهات المختصة بها، وكان بلاغه سببًا في ضبطهم أو كشف الأموال أو الأدلة.
وفي هذه الحالة، تُخفف العقوبة لتصبح السجن من سنة إلى سبع سنوات أو غرامة لا تتجاوز ثلاثة ملايين ريال أو الجمع بينهما. ويُشترط أن يؤدي البلاغ إلى نتائج حقيقية تسهم في كشف الجريمة أو منع تكرارها. هذا الاستثناء يعكس توازن النظام بين الصرامة في الردع وتشجيع التعاون مع الجهات العدلية لحماية الاقتصاد الوطني.
الإجراءات القانونية في السعودية لمكافحة غسيل الاموال
قد أرست المملكة منظومة قانونية متطورة تضمن تبادل المعلومات وتتبع الأموال المشبوهة عبر الحدود بالتنسيق مع الجهات الدولية المختصة.وتتمثل أبرز الإجراءات التي تتبعها المملكة في هذا المجال فيما يلي:
الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف:
حيث وقّعت السعودية عددًا كبيرًا من الاتفاقيات مع دول ومنظمات دولية لتبادل المعلومات وملاحقة مرتكبي الجرائم المالية العابرة للحدود.
التعاون مع المنظمات الدولية المتخصصة:
تشارك المملكة بفاعلية في اجتماعات مجموعة العمل المالي (FATF) وتلتزم بتطبيق توصياتها بدقة، مما يعزز من قدرتها على رصد وتحليل التحركات المالية المشبوهة.
تبادل الخبرات والبيانات الاستخباراتية:
تعمل الجهات الرقابية السعودية على التنسيق المستمر مع نظرائها في الدول الأخرى لتتبع مصادر الأموال غير المشروعة ومنع تدفقها داخل النظام المالي الوطني.
إن هذا التعاون الدولي الصارم يؤكد مكانة المملكة كركيزة أساسية في مكافحة غسل الاموال وتمويل الإرهاب عالميًا، ويعكس التزامها بالشفافية وحماية الاقتصاد الوطني من أي أنشطة مالية غير قانونية.
المقصود بمصطلح غسل الاموال في السعودية
يُقصد بـ غسل الاموال في النظام القانوني، تلك العملية التي يُجرى من خلالها تحويل الأموال غير المشروعة الناتجة عن أنشطة محرّمة مثل الاتجار بالمخدرات، الفساد المالي، التهرب الضريبي، والاتجار بالبشر إلى أموال تبدو في ظاهرها مشروعة.
ويهدف مرتكبو هذه الجريمة إلى إخفاء المصدر الحقيقي لتلك الأموال، بحيث يمكنهم استخدامها في الأنشطة الاقتصادية دون إثارة الشبهات أو الخضوع للمساءلة القانونية.
وتتم عملية غسل الاموال عادة عبر ثلاث مراحل رئيسية مرتبة بدقة:
- الإيداع: إدخال الأموال غير المشروعة إلى النظام المالي.
- التغطية: نقل الأموال عبر معاملات متعددة لإخفاء مصدرها الأصلي.
- الدمج: إعادة إدخال الأموال إلى الاقتصاد المشروع لتبدو كأرباح قانونية.
بهذه المراحل الثلاث يتحول المال الملوث إلى مال يبدو نظيفًا، وهو ما يجعل جريمة غسل الاموال من أخطر الجرائم الاقتصادية التي تحاربها الأنظمة القانونية بحزم لحماية نزاهة الاقتصاد واستقراره.
متى يُعد الشخص مرتكبًا لجريمة غسل الاموال في النظام السعودي؟
قد حدد النظام عدة صور رئيسية تُعد بموجبها الجريمة قائمة قانونًا، وتشمل ما يلي:
تحويل أو نقل الأموال مع العلم بأنها ناتجة عن جريمة، بهدف إخفاء مصدرها غير المشروع أو تمويهه، أو لمساعدة شخص آخر على الإفلات من تبعات الجريمة الأصلية التي تحصّلت منها تلك الأموال.
اكتساب أو حيازة أو استخدام الأموال مع العلم بأنها متحصلة من نشاط غير قانوني أو من جريمة يعاقب عليها النظام.
إخفاء أو تمويه طبيعة الأموال أو مصدرها أو حركتها أو ملكيتها أو مكانها أو طريقة التصرف بها، أو الحقوق المرتبطة بها، مع العلم بأنها من متحصلات جريمة.
الشروع أو الاشتراك في أي من الأفعال السابقة، سواء عبر الاتفاق أو المساعدة أو التحريض أو تقديم المشورة أو التسهيل أو التواطؤ أو التستر أو التآمر، إذ يعد كل من ساهم بأي صورة شريكًا في الجريمة.
ويؤكد هذا التعريف الشامل أن النظام السعودي يتعامل بصرامة مع أي سلوك يهدف إلى إضفاء الشرعية على أموال غير مشروعة، حمايةً للنظام المالي وضمانًا لنزاهة الاقتصاد الوطني.
أساليب وطرق غسل الاموال في السعودية
هيكلة المبالغ (التجزئة): تقسيم مبالغ كبيرة إلى معاملات صغيرة موزعة على حسابات بنكية متعددة لإخفاء المصدر وتتبع التدفقات.
الشركات الوهمية: تأسيس كيانات تجارية واجهة لإدخال الأموال وتبرير حركتها عبر فواتير وعقود مزيفة.
الاستثمار في العقارات والأصول الثابتة: شراء وبيع عقارات أو أصول ذات قيمة كقناة لادماج الأموال الملوثة في الاقتصاد المشروع.
الاستثمار في السلع الثمينة: تحويل الأموال إلى ذهب، أحجار كريمة، أو سلع متنقلة أخرى ثم إعادة تسييلها لتبدو كأموال مشروعة.
التحايل عبر المزادات والتجارة الإلكترونية: توظيف المزادات أو منصات البيع والشراء على الإنترنت لتبرير مصادر الأموال وحركتها.
الاستغلال المالي للمقامرة والتزوير: استخدام أنشطة مقامرة أو وثائق مزورة كوسائل لغسل الأموال وإخفاء أثرها.
أساليب الدفع المجهولة والعملات الافتراضية: استخدام بوابات دفع مجهولة ومحافظ ومنصات العملات الرقمية لتمرير الأموال عبر حدود افتراضية يصعب تتبعها.
تحويل الأموال عبر منصات الألعاب الافتراضية: تحويل مبالغ غير مشروعة إلى عملات داخلية في ألعاب افتراضية ثم سحبها لاحقًا كأموال “نظيفة”.
مراحل غسل الاموال في السعودية
ينقسم مسار غسل الاموال عمليًا إلى ثلاث مراحل متسلسلة، كل واحدة منها تستخدم وسائل وتقنيات مختلفة لتمويه المصدر وحوّله إلى أموال قابلة للاستخدام القانوني:
مرحلة الإيداع (التوطين)
يبدأ الجاني بإدخال الاموال غير المشروعة إلى القنوات المالية الشرعية — إيداعات بنكية، تحويلات خارجية، أو شراء سلع وأصول سائلة (سيارات فاخرة، يخت، أو أصول قابلة لإعادة التسييل). هذه المرحلة عالية المخاطر من جهة الاكتشاف، لكنها ضرورية لإخراج السيولة من نطاق السيطرة المباشرة للمجرمين.
مرحلة التمويه (التلاعب والتعقيد)
بعد دخول الاموال للنظام المالي، تُجرى سلسلة من العمليات المصرفية والتجارية المعقّدة لقطع أثرها: تحويلات متكررة بين حسابات وبنوك متعددة، استخدام شركات واجهة، فواتير وهمية، وتحويلات رقمية. الهدف هنا هو خلق شبكة معاملات تجعل تتبع المصدر الأصلي شبه مستحيل.
مرحلة الادماج (التبرير والتظهير)
المرحلة النهائية التي تُعيد الاموال “نظيفة” إلى الدورة الاقتصادية عبر إضفاء صفة المشروعية — استثمارات داخل مشروعات قانونية، مبيعات عقارية مبررة، أو إدراج الاموال كعائدات شركات تبدو سليمة. عند بلوغ هذه المرحلة يصعب فصل الاموال الملوثة عن المشروعة إلا عبر تحقيقات مالية متعمقة وتقنيات تتبع متقدمة.
كل مرحلة تستخدم أدوات وأساليب متطورة؛ لذلك تعتمد الفعالية في التصدي لغسل الاموال على تنسيق رقابي وقضائي متقدم، ومتابعة نشطة لحركات الاموال المشبوهة ووسائل الدفع الحديثة.
أركان جريمة غسل الاموال في النظام السعودي
لا تُدان أي قضية غسل اموال في المملكة لمجرد التعامل مع أموال يُشتبه في مصدرها، بل يجب على الادعاء العام أن يُثبت أمام المحكمة توافر ركنين أساسيين لا تقوم الجريمة بدونهما، وهما:
الركن المادي (الفعل الجرمي):
ويتمثل في ارتكاب فعل مادي مُجرَّم نظامًا، مثل تحويل الأموال، أو إيداعها، أو حيازتها، أو نقلها، أو إخفاء ملكيتها أو مصدرها الحقيقي. فالفعل المادي هو الجانب العملي الذي يُظهر الجريمة إلى الوجود.
الركن المعنوي (النية أو القصد):
وهو الركن الأهم، إذ لا تقوم الجريمة بدونه، ويتمثل في علم الجاني بأن الأموال ناتجة عن نشاط غير مشروع، وقصده في تمويه مصدرها أو مساعدة مرتكب الجريمة الأصلية على الإفلات من العقوبة.
ويمثّل إثبات هذين الركنين، ولا سيما الركن المعنوي، جوهر النزاع القانوني في قضايا غسل الاموال، حيث تتركز جهود الدفاع والادعاء حول إثبات القصد أو نفيه، ما يجعل هذه المرحلة محور الحسم في القاعة القضائية.
الأسئلة الشائعة
ما الفرق بين غسيل الاموال وتبييض الاموال؟
لا يوجد فرق جوهري بين المصطلحين، فكلاهما يشيران إلى عملية واحدة تهدف إلى إخفاء المصدر غير المشروع للأموال الناتجة عن أنشطة محظورة مثل الاتجار بالمخدرات أو الفساد أو التهرب الضريبي، وإظهارها بمظهرٍ قانوني لتبدو كأنها أموال ناتجة عن أنشطة مشروعة قابلة للتداول في النظام المالي.
كيف يتم إثبات جريمة غسيل الاموال؟
تُثبت الجريمة بجميع وسائل الإثبات المقرّرة في نظام الإجراءات الجزائية، وتشمل:
- التحقيق مع الجناة وإقراراتهم.
- الأدلة الكتابية والرقمية.
- المراقبة والتحريات الفنية المصرّح بها قانونً
وقد منحت المادة (46) من نظام مكافحة غسل الاموال للنيابة العامة سلطة الإذن بمراقبة وضبط وتسجيل الاتصالات والبيانات والمراسلات، للوصول إلى مرتكبي الجريمة ومصادر الأموال.
ماذا يحدث للأموال المصادرة في قضايا غسيل الاموال؟
وفق المادة (34) من النظام، تُحتفظ بالأموال المصادرة حتى في حال عدم إدانة أي شخص بسبب هروبه أو وفاته أو تعذّر تحديد هويته، ضمانًا لعدم إعادة دمج تلك الأموال في الدورة الاقتصادية.
هل يُحاكم الأجنبي داخل المملكة في قضايا غسيل الاموال؟
نعم، إذ يجيز النظام تسليم أو تسلّم المحكوم عليهم في جرائم غسل الاموال وفق اتفاقيات التعاون القضائي أو مبدأ المعاملة بالمثل، أما في حال رفض التسليم، فتُتخذ الإجراءات النظامية لمحاكمته أمام المحاكم المختصة داخل المملكة، استنادًا إلى المادة (41) من النظام السعودي.
وفي الختام، فإن عقوبة غسيل الاموال في السعودية تمثل رسالة واضحة بأن المملكة لا تتهاون مع أي تجاوز يهدد نزاهة النظام المالي أو يضر بالاقتصاد الوطني. ويؤكد مكتب المحامي سعد بن عبدالله الغضيان للمحاماة والاستشارات القانونية والتحكيم أن الالتزام بالقوانين والشفافية في التعاملات المالية هو السبيل الأمثل لتجنب المساءلة، والحفاظ على الثقة والاستقرار في بيئة الأعمال داخل المملكة.





لا تعليق